خلصت المحكمة العليا بكينيا إلى وجود انتهاكات للحق في الصحة، والحق في الكرامة، والسلامة الشخصية في قضية تتعلّق بتوفير الرعاية الصحية للأمهات
قضية السيّدة ج.م. ضدّ النائب العام و6 آخرين
خلصت المحكمة العليا بكينيا إلى أنّ الحكومة قد قامت بانتهاك حقوق الانسان الدولية والدستورية للسيدة ج.م.، وذلك من خلال إساءة معاملتها بشدّة، وعدم توفير الرعاية الصحية الضرورية والمجانية لها عند إنجابها في أحد المستشفيات العمومية في شهر أغسطس من عام 2013. وقد أقرّت المحكمة بتحميل الحكومة كامل المسؤولية في عدم النجاح في تنفيذ سياستها الوطنية المتعلقة بتوفير الرعاية الصحية للأمهات، وعدم حرصها على مراقبتها والاشراف عليها، إضافة إلى عدم تخصيصها للموارد والامكانيات اللازمة لتعزيزها.
بعد الولادة، تلقّت السيدة ج.م. رعاية صحية في مستشفى بونغوما، ويُطلق عليه الآن اسم مستشفى الإحالة في المقاطعة؛ وهو مشفى عمومي، من المفترض أن يقوم بتوفير رعاية صحية مجانية للأمهات، وذلك وفقا للتعليمات الرئاسية الصادرة عن رئيس كينيا في عام 2013. وفي المستشفى، طُلب من السيدة ج.م. دفع مقابل لدواء تحفيز المخاض الذي تلقته، وبعد ذلك، طُلب منها الذهاب إلى غرفة الولادة سيرا على الأقدام، رغم أنّها قد بدأت تحسّ بآلام المخاض. اتبعت السيّدة ج.م. التوجيهات، إلا أتّها لم تجد أي سرير ولادة فاض، فعادت أدراجها إلى جناح المخاض، إلا أنّه قد اُغمي عليها. لقد أنجبت طفلها وهي فاقدة للوعي، واستيقظت على صوت الممرضات اللاتي كنّ يصرخن، ويضربنها، ثمّ أمرنها بالعودة إلى غرفة الولادة لإخراج المشيمة. وقد قام أحد المرضى بتصوير المقطع دون علمها، ليصل بعد ذلك إلى الصحفيين الذين قاما بعرضه في نشرة الأخبار الوطنية.
تفطّنت السيّدة ج.م. إلى حجم الإساءة الذي تعرّضت له عند مشاهدتها لمقطع الفيديو بعد الحادث.
رفعت السيّدة ج.م. دعوى قضائية ضد السلطات المحلية والوطنية كردّ على الاساءة المشينة التي تعرّضت لها، مطالبة الحكومة بمعالجة التحديات التي تواجه منشآت الرعاية الصحية في كينيا. وأنكرت الحكومة الوطنية انتهاك أي من حقوق السيدة ج.م. لكنها أقرت بأن الموارد المخصصة للموظفين والمعدات والرعاية الصحية للأمهات كانت بالفعل محدودة. كما ادعى المستشفى وحكومة المقاطعة المعنية أنّ التحقيقات الداخلية قد برّأت الممرضات من سوء المعاملة.
وكردّ على الدعوى القضائية التي رفعتها السيدة ج. م.، أقرّت المحكمة بأن العلاج الذي تلقته المدعية في المستشفى ينتهك عدة حقوق بموجب الدستور الكيني والقانون الدولي. أولا، لاحظت المحكمة أن مستشفى بونغوما ليس به متسع من المساحة ولا يملك عددا كاف من الأفراد لتوفير الرعاية الصحية اللازمة للسيدة ج.م. وللنساء الأخريات اللاتي كنّ هناك. إنّ الدستور الكيني يحمي الحق في "أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه"، بما في ذلك صحّة الأم. كما تجدر الإشارة إلى أنّه، وقبل قدوم السيدة ج.م. إلى المستشفى مباشرة، أصدر الرئيس أوورو كينياتا تعليمات إلى منشآت الصحة العمومية تقضي بتوفير الرعاية الصحية المجانية للأمهات. كما لاحظت المحكمة كذلك أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يحميان الحق في الصحة. وبالنظر إلى هذه المعايير، فإن أوجه القصور في المستشفى، إضافة إلى نقص المعدات والإمدادات الأساسية والأدوية ونوعية الرعاية المتدنية، قد ساهمت في انتهاك حق السيّدة ج.م. في الصحة. ثانيا، خلصت المحكمة إلى أن الحكومة قد انتهكت الحق الدستوري والدولي الذي تتمتع به السيدة ج. م. في الكرامة وعدم التعرض للمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وذلك لأنّها كانت مجبرة على إنجاب طفلها على الأرض في مكان مكشوف، ممّا سمح للمرضى الآخرين بتصوير المشهد، ولأنّ الممرضات قاموا بالاعتداء عليها جسديا ولفظيا بطرق قاسية ومهينة.ثالثا، أوضحت المحكمة الصلة بين انتهاك حق السيدة ج.م. في الصحة والسياسة الوطنية. حيث اعترف كافّة الأطراف بأنّه كان من الممكن أن تضمن الحكومة الكينية الحق في الصحة من خلال الإعمال التدريجي، أو بزيادة جودة الخدمات وتوفيرها شيئا فشيئا. وأقرّت المحكمة بفشل الحكومة في وضع وتنفيذ سياسات فعالة وتكريس أقصى ما تسمح به الموارد المتاحة لتوفير الرعاية الصحية الجيدة للأمهات.
تشكل هذه القضية سابقة يعتد بها في ضرورة توفير الرعاية الصحية الجيدة للأمهات، وهي خير دليل على أن إخفاق الحكومة في تنفيذ سياساتها يمكن أن يؤدّي بشكل مباشر إلى انتهاك حقوق المواطنين في الرعاية الصحية والكرامة. حيث تعاني المستشفيات في كينيا من الاكتظاظ الشديد والظروف المحفوفة بالمخاطر ونقص الإمدادات، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات وفيات الرضع والأمهات، وهو ما يتسبب كذلك في الضغط على العاملين في المستشفى لإدخال المرضى واخراجهم بسرعة. كما أنّ موظفي المستشفى لا يتلقّون تدريبات كافية، مما قد يؤدّي إلى الممارسات غير الأخلاقية. قد تساعد هذه الحالة في معالجة مثل هذه القضايا النظامية من خلال لفت الانتباه إلى مسؤوليات واضعي السياسات التي تنبع من القانون الدستوري والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
شكر خاص لعضو الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : برنامج حقوق الإنسان والاقتصاد العالمي، جامعة نورث إيسترن، على إسهاماته في هذه القضية.
المزيد
زور قاعدة بيانات السوابق القضائية للمزيد من المعلومات عن ملخص القضية، والحكم، ووثائق أخرى مرتبطة بالقضية.
|