قبل انتشار فيروس كوفيد-19، وبالتحديد في شهر نوفمبر 2019، قامت المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية بتعزيز الفقه القضائي المتعلّق بالرعاية الاجتماعية، حيث ألغت أشد العقوبات المفروضة على المستفيدين الذين لم يستوفوا متطلبات العمل أو البحث عن عمل المفروضة بموجب الإصلاحات النيو ليبرالية المعروفة أيضا باسم "هارتز IV. " وخلصت المحكمة إلى أن بعض العقوبات الإلزامية - والتي خفضت من قيمة الإعانات لمدة ثلاثة أشهر بنسبة 60٪ أو 100٪ في حال انتهاك المستفيد للالتزامات الواجبة عليه للمرة الثانية والثالثة لمدّة 12 شهرًا على التوالي – هي عقوبات غير متناسبة؛ وبالتالي فهي غير مناسبة وغير ضرورية وغير معقولة. وفي عام 2010، خلصت المحكمة إلى أنّ إعادة هيكلة "هارتز IV” لشبكة الأمان الاجتماعي لا تتوافق مع معايير ألمانيا التي تنص على كرامة الإنسان في قانونها الأساسي. وفي قرار صدر عام 2012، رأت المحكمة كذلك أن الإعانات التي يوفرها قانون استحقاقات ملتمسي اللجوء لا تضمن الحق الأساسي في الحد الأدنى المقبول للعيش بكرامة. كما جدّدت المحكمة تأكيدها على أنّ هذا الحق يشمل "الوجود المادي للفرد وإمكانية الحفاظ على العلاقات الشخصية والحد الأدنى من المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ". ومن حيث المبدأ، شكلت قرارات المحكمة لعامي 2010 و2012 منعطفا حاسما، حيث شككت في كفاية اعانات الرعاية الاجتماعية التي يتم تقديمها، والتي لا تتيح حياة كريمة وكاملة للمستفيدين؛ كما أنّه لم يتم احتسابها مع أخذ هذا المعيار بعين الاعتبار. أمّا من الناحية العملية، فيبدو أنّ هذه الأحكام قد جاءت للتخفيف من حدّة جزء بسيط من تجاوزات النيو ليبرالية. وبالنسبة للمبتدئين، لم تقم محكمة 2010 بزيادة مبالغ الاعانات الاجتماعية بشكل واضح، مفضلة ترك هذا الأمر إلى المشرّعين. إلا أنّه بعد سنوات قليلة، وبالتحديد في عام 2014، وافقت المحكمة على نظام محدّث للرعاية الاجتماعية، يتيح إمكانية التفاوض حول عملية احتساب الاستحقاقات، وذلك على الرغم من أنه في الواقع لم يزد إلاّ بعض اليوروهات شهريا للإعانات المخصصة لبعض المجموعات. وفي قرارها الصادر عام 2019، وعلى الرغم من قيامها بإلغاء أشد العقوبات المتعلقة بالرعاية الاجتماعية، فقد خلصت المحكمة إلى أن الحكومة يمكن أن تفرض تخفيضات في مبالغ الاعانات بنسبة 30٪ لمدة ثلاثة أشهر لضمان التزام المستفيدين بالبحث عن عمل. باختصار، وعلى الرغم من الاستشهاد بمبادئ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن قرار المحكمة لعام 2010 والقرارات اللاحقة لم تساهم في اصلاح المنهج النيو ليبرالي بشكل فعال، والذي قد تسبب في خلق ثغرات في شبكة الأمان الاجتماعي. وقد تم القيام بعدد قليل من الإصلاحات التي لم ترق إلى المستوى المطلوب ولم تتناول أهم النقاط التي تحتاج إلى تعديل. كان هذا، على الأقل، هو النهج القضائي للمحكمة قبل تفشّي وباء كورونا المستجدّ، والذي سلط الضوء بشكل كبير على السياسات القديمة التي لا تساهم إلّا في ترسيخ عدم المساواة والفقر وما يرتبط بهما من شرور ومشاكل تطال الناس. فهل سيرتفع الجهاز القضائي إلى مستوى التحديات التي تواجه حقوق الإنسان والتي يفرضها فيروس كورونا المستجد أو الكوفيد-19، وبالتالي مساءلة الجهات الفاعلة الحكومية الأخرى لضمان مستوى عالمي للعيش بكرامة - أم ستستمر المراجعة القضائية التفضيلية؟ وفي الوقت الذي يواجه فيه العديد من مقدمي الرعاية الصحية احتياجات استثنائية، هل سيقوم المسؤولون عن تكريس العدالة بنفس الشيء؟ |